أعلام ظلمهم المؤرخون.. العلامة أشفغ بن عفان بن أشفغ أحمد (الحلقة9)
تانيد ميديا : العلامة أشفغ بن عفان بن أشفغ أحمد التندغي الحلي (ت. ق. 12 هـ):
عندما شرعنا في نشر هذه السلسلة المباركة من أعلامنا الخالدين، اخترنا أن يتم النشر تباعا حسب الأقدمية التاريخية النسبية كلما كان ذلك ممكنا، وبناء على ذلك كان ينبغي أن يكون ضيفنا الليلة إمام السلسلة وأول من تتعطر الصفحة بذكره، وتتزين مجالسنا بسيرته، ولكن ذلك لم تجر به أقلام القدر لأسباب خارجة عن إرادتنا.
نتشرف الليلة إذن باستعراض ما تيسر من حياة وأخبار الولي الكامل والعالم المتمكن والصوفي الزاهد أشفغ بن عفان، محاولين تسَقُّط النزر اليسير مما كُتب عن الشيخ أو ما بقي عالقا عنه بأذهان أحفاده ومريديه والمهتمين بشأنه.
أما أبوه فهو الفقيه أشفغ أحمد بن أشفغ المختار بن أشفغ أوبك التندغي الحلي، وأما أمه فهي بركنية من فرع أولاد منصور من أولاد عبد الله.
ولد بداية القرن الهجري الثاني عشر في منطقة التداخل بين شرق إمارة اترارزه وغرب إمارة لبراكنه في عائلة كريمة تتوارث العلم والمعرفة أبا عن جد وجيلا بعد جيل، فقد كان آباؤه الأدنون الثلاثة -على الأقل- من أهل العلم والصلاح…
يفترض أن الفقيه بن عفان أخذ في بدايات رحلته العلمية عن والده الفقيه أحمد، ثم عن بعض شيوخ قومه، ولكن لا توجد معلومات مؤكدة بهذا الشأن، غير أنه وفي المراحل المتقدمة من طلبه للعلم يروى أنه اتصل بالعلامة الشيخ محمد اليدالي الديماني (ت. 1166 هـ) وفي رواية أخرى بالشيخ مصطفى بن محمد النويهي المصري تلميذ الشيخ أحمد بن ناصر الدرعي (ت. 1129 هـ)، وعنهما أوعن أحدهما أخذ الفرعَ الناصري من الطريقة الشاذلية.
لقد عبّر القاضي محمد سالم بن المحبوبي (ت. 1412 هـ- 1992 م) عن هذا الاضطراب أوهذا الغموض الذي يلف شيخ أشفغ بن عفان في التصوف بقوله:
شَيْخُ ابْنِ عَفَّـانَ مِن الصُّدورِ– ضاعَ فَلَمْ يَحْفَظْهُ فيها دُورِي
لَكِنَّ ذا المجْهولَ غَيْرُ قاصِرِ– عَن أخْذِه عَنْ أَحْمَدَ بْنِ ناصر.
وعالج العلامة أحمدو بن التاه بن حمينه هذا الإشكال في حديثه عن سند الشاذلية المتصل بالعلامة محمذن فال بن متالي (ت. 1287 هـ/ 1876 م) معتمدا القول الثاني حين قال:
وهْوَ عَن الفَقيهِ بنْ عَفَّانِ — التَّندَغِيِّ، أخْذُهُ الرَّوْحانِي
وهــوَ شَيْخُــهُ الذي لَدَيْهِ — نُسِـيَ إِن لَمْ يَكُـن النُّوَيْهِي.
وكما كان الغموض عنوان سند الشيخ أشفغ بن عفان الصاعد إلى أحمد بن ناصر فإن سنده النازل إلى ابن متالي كان لا يخلو أيضا من إشكال، بل إن الإشكال أعمق وأعقد لاستحالة اللقاء المحسوس بين الشيخين، وقد عالج العلامة محمد سالم بن المحبوبي في نظمه لسلسلة السند الشاذلي هذا الإشكال واعتبر اللقاء بين الشيخين كان في عالم الأرواح!! يقول ابن المحبوبي في هذا الصدد:
ونَجْلُ مُتَّالِي عن العَفَّانِي — أخَذَهُ في الْعالَمِ الرَّوْحانِي!
ولكن الذي لا خلاف عليه هو أن أشفغ بن عفان كان أحد جيل الرواد من مؤسسي المحاظر الجامعة في منطقته وفي عشيرته، من أمثال أشفغ الدنبجه وأشفغ نحوي بن سيدي (يعتقد أنهما عاشا بين نهايات القرن الحادي عشر وبدايات الثاني عشر الهجريين) على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، وأحد رواد الجيل الأول من شيوخ الطريقة الشاذلية في هذه الربوع حسب وصف الأستاذ الأديب محمد فال بن عبد اللطيف في مقدمته لكتاب “الطريقة الشاذلية في بلاد شنقيط، أعلام ونصوص (خاتمة التصوف للشيخ محمد اليدالي نموذجا)” لمؤلفه الدكتور أحمدو بن آكاه، الصادر عن “دار قوافل النشر”، و بذلك يكون السند الشاذلي الناصري المتصل بأشفغ بن عفان من خلال مريده لمرابط محمذن فال بن متالي، هو السند الأوحد الذي لا زال متداولا في هذه الربوع.
يقول الدكتور يحي بن البراء في موسوعته الفقهية:
(يعتبر سنده الآن –يعني ابن متالي- المصدر شبه الأوحد للطريقة الشاذلية الناصرية في منطقة الگبلة. فلم تعد لها طرق أخرى معروفة السند).
أما أبرز تلامذة الشيخ والآخذين عنه فنذكر منهم ابني الخالتين: أشفغ الحمد التاگنيتي وأشفغ الخطاط الملقب آبيه )ت. 1196 هـ/ 1781 م)، يقول العلامة القاضي محمدن بن محمذن فال بن أحمدو فال (ت. 1400 هـ) في رسالة جوابية موجهة للمؤرخ القاضي هارون بن الشيخ سيديَّ (ت. 1397 هـ): (ومن أعيان حلة الأربعين جوادا ٲِشفغ بن عفان المشهور بالصلاح، قرٲ عليه أشفغ الحمد وأشفغ الخطاط “دَوْلَ” بالحسانية، وهو جد العالم أحمد محمود بن أشفغ خيري من الجانبين، وهو الذي كان صاحب الشيخ سيديّ الكبير عند الشيخ سيدي المختار الكنتي وأتۍ الشيخ ببعض تآليفه).
وممن أخذ عن الشيخ أيضا أبناؤه النجباء:
– أشفغ خيرٍي، وفي عقبه ظل ميراث جدهم ٲِشفغ بن عفان قائما ينتقل من جيل إلى جيل، ومن أشهر من حازوا نصيبا من هذا الميراث من أحفاد أشفغ خيرٍي العلامة المتبحر أحمد محمود بن محمد بن خيري بن أشفغ خيري (ت. ق. 13 هـ) المشار إليه في رسالة القاضي محمدن بن أحمدو فال الآنفة الذكر، ومنهم العالم القارئ الخليفه بن عبد الرحمن بن محمدي فال بن يحي بن أشفغ خيرٍي…
– المصطفى الملقب مَوْفّه، ومن عقب هذا كذلك برز علماء أجلاء وأدباء مذكورين منهم، المصطفى الملقب اخليفه سمي والده، وابنه العالم محمدن صاحب الأنظام الفقهية الحسانية الشهيرة، وحفيده العالم الأديب السَّني الشيخ جار الله (ت. 2006 م) وابن عمه صاحب الخط البديع الأديب اللبيب عبد الرحمن بن أحمدو الملقب يهديه وفضيلة الإمام محمد المصطفى الملقب الصافي أطال الله بقاءه، وهو بالمناسبة أحد شيوخي في القرآن، فجزاه الله عني خير الجزاء.
– لمرابط، ومن بعده حفيده مولاي الزين (ت. 1250 ھ) وحفيده محمدي الملقب حندي.
توفي العلامة ٲِشفغ بن عفان على الأرجح خلال أحد العقدين الأخيرين (التاسع أو العاشر) من القرن الثاني عشر الهجري، ودفن في منطقة “انفني” على بعد 40 كلم إلى الشمال الشرقي من قرية علب آدرس الحالية، فكان أول دفين في ذلك الموضع الذي أصبح فيما بعد يأوي مقبرة كبيرة وشهيرة. ويُحڪۍ أن ابنة للشيخ رأت فيما يرى النائم أن خليطا من الناس نزل عليهم في تلك الربوع، فسألت والدها الشيخ عن تعبير رؤياها تلك، فقال لها: ذلك خليط منه أنا وأنت، فما برحا أن ماتا ودفنا في تلك البقعة المباركة… رحم الله السلف وبارك في الخلف.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.